سورة الأعراف - تفسير تفسير ابن عجيبة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأعراف)


        


إما أن تكون مختصرة من المصطفى، على عادة العشاق؛ يرمزون إلى ذكر بعض حروف المحبوب، اتقاء الرقباء، أي: يا أيها المصطفى المختار لرسالتنا؛ هذا كتاب أنزل إليك، وإما أن تشير إلى العوالم الثلاثة: الجبروت والملكوت والملك. وزاد هنا الصاد، إشارة إلى صدقه فيما يُخبر به من علم الغيوب، ولذلك ذكر هنا جملة من القصص والأخبار.
وقال الورتجبي: كان الله تبارك وتعالى إذا أراد أن يتكلم مع نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بقصص الأنبياء، وما جرى عليهم في الدهور والأعصار، وشأنه معهم في الأسرار والحقائق والشرائع، وأراد أن يخصه صلى الله عليه وسلم بشريعته، وما يكون من طريقته الخاصة إلى حضرته، ويخبره بما كان وما يكون، أشار إلى هذه الأشياء بحروف التهجي، واعلمه سر ذلك بخفي الإشارة ولطيف الخطاب، وعلم تعالى أنه عليه الصلاة والسلام يعرف بتلك الإشارة مراده من علم سابق، ونبأٍ صادق، وعلم تعالى أن عموم أمته لا تعرف تلك الإشارة، فعبَّر عنها بسورة طويلة من القرآن؛ ليعرفوا مراده سبحانه من خطابه، وخواص أمته ربما تطلع على سر بعضها، كالصحابة والتابعين والمتقدمين من العلماء والأولياء، كأنَّ حروف المقطعات رموز ومعاني سور القرآن، لا يعرف تلك الرموز إلا الربانيون والأحبار من الصديقين. اهـ.


قلت: {كتاب}: خبر، أي: هذا كتاب، و{أُنزل}: صفته، والحرج: الضيق، و{لتنذر}: متعلق بأُنزل، أو بلا يكن، لأنه إذا أيقن أنه من عند الله جسر على الإنذار، وكذا إذا لم يخفهم، و{ذكرى}: يحتمل النصب بإضمار فعل، أي: لتُنذر ولتذكر ذكرى، والجر عطف على {لتنذر}، أي: للإنذار والتذكير، والرفع عطف على {كتاب}.
يقول الحقّ جلّ جلاله: هذا {كتابٌ أُنزل إليك} من ربك، {فلا يكن في صدرك حرجٌ منه} أي: ضيق وثقل من أجل تبليغه لمن يُكذب به، مخافة أن تكذّب فيه، أو مخافة أن تقصر على القيام بتبليغه، أو بحقوقه، وتوجيه النهي إلى الحرج للمبالغة، كقولك: لا أرينك ها هنا، كأنه قال: فلا يحرج صدرك منه، وإنما أنزلناه إليك لتُنذر به من بلغه، {وذكرى للمؤمنين} أي: وتذكيرًا وموعظة للمؤمنين؛ لأنهم هم المنتفعون بمواعظة.
الإشارة: تذكير أهل الإنكار ووعظهم يحتاج إلى سياسة كبيرة وحلم كبير وصبر عظيم، لا يطيقه إلا الأكابر من أهل العلم بالله؛ كالأنبياء والصديقين، لسعة معرفتهم، واتساع صدورهم لحمل الجفاء وتحمل الأذى، ونهيه تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام عن ضيق صدره: تشريع لورثته من بعده؛ الداعون إلى الله عز وجل وإلاَّ فهو صلى الله عليه وسلم بحر واسع، لا تكدره الدِّلاءُ، كما قال البوصيري:
فَهو البَحرُ والأَنَامُ إِضاء ***
والله تعالى أعلم.


قلت: {قليلاً}: صفة لمصدرٍ، أو زمانٍ محذوف، أي: تتذكرون تذكرًا قليلاً، أو زمانًا قليلاً، والعامل فيه: تذكرون، و{ما}: زائدة لتأكيد القلة.
يقول الحقّ جلّ جلاله: {اتَّبِعُوا} أيها الناس {ما أُنزل إليكم من ربكم} من أحكام القرآن والسنة؛ إذ كله وحي يوحى، {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىَ} [النّجْم: 3]، {ولا تتبعوا من دونه} أي: الله، {أولياءَ} من الجن والإنس يضلونكم عن دينه، أو: ولا تتبعوا من دون ما أنزل إليكم أولياء، تتبعونهم فيما يأمرونكم به وينهونكم، وتتركون ما أنزل إليكم من ربكم، {قليلاً ما تذكَّرون}: تتعظون حيث تتركون دين الله وتتبعون غيره، بعد كما إنذاره ووضوح تذكاره، وذلك لانطماس البصيرة وعمي القلوب، والعياذ بالله.
الإشارة: اتباع الحبيب في أمره ونهيه يدل على صحة دعوى المحبة، ومخالفته يدل على بطلانها.
تَعصِي الإله وأنتَ تُظهِرُ حُبَّهُ *** هذَا محَالٌ في القِيَاسِ بَدِيعُ
لَو كانَ حُبُّكَ صَادِقًا لأطَعتَهُ *** إنَّ المُحِبَّ لِمَن يُحِبُّ مُطِيعُ
وجمع المحبة في محبوب واحد يدل على كمالها، وتفرق المحبة يدل على ضعفها، ولذلك قال الشاعر:
كَانَت لَقلبِي أهواءٌ مُفرَّقةٌ *** فَاستَجمَعَتْ مُذ رَأتكَ العَيْنُ أهوائي
فلا تجتمع المحبة في محبوب واحد إلا بعد كمال معرفة المحبوب، وشهود أنوار جماله وكمال أسراره. والله تعالى أعلم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8